يتكلم نايف المطوع في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال حفل موسيقي لدعم باكستان.
هناك بشكل دائم ومؤسف من هم بيننا في حاجة إلى الشعور بألم الآخرين كي يشعروا أنهم على قيد الحياة، ورؤية نزيف الآخرين للإحساس بقيمة أنفسهم. إنهم بحاجة الى ملء الفراغ داخل أنفسهم بصرخات الآخرين. كان هدم تماثيل بوذا في منطقة باميان الأفغانية سنة 2001 على يد طالبان أكثر من مجرد عدم احترام لديانة الآخرين، بل كان مثالا لعدم احترام الشخص لدينه الخاص. بنيت هذه التماثيل في القرن السادس الميلادي، ووصل الإسلام إلى أفغانستان في القرن السابع، لكنها لم تدمر إلا في القرن الواحد والعشرون وباسم الإسلام.
في نهاية القرن الخامس عشر، انقضت فترة العصور الوسطى في أوروبا، مفسحة الطريق لفترة إعادة ولادة، بدأت برسم دافينشي للوحتي العشاء الأخير والموناليزا الشهيرتين، وبإضفاء مايكل أنجلو لمسحة من الحياة لجدران كنسية سيستين. أما كوبرنيكوس فقد برهن أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، وثبت مارتين لوثر قائمة مطالبه على باب الفاتيكان. لقد بدأ الإصلاح البروتستانتي للمسيحية، الذي لم تكن حتى محاكم التفتيش الإسبانية قادرة على إيقافه.
إلى حد ما ، فقد كانت النهضة الأوروبية هي التأثير المضاد لمحاكم التفتيش، وحجر الزاوية في فترة إعادة الولادة. ساعدت النهضة في كسر سيطرة أولئك الذين فضلوا الحفظ على التفكير. وقد لعب الفن دورا هائلا في تلك الثورة. فجأة، تشجع الناس على التعبير عن آرائهم حول الفن وما يترتب عنه. وفي الوقت نفسه، كان الفن في منطقتنا الصحراوية، حتى وقت قريب، يقتصر على الخط العربي الجميل من القرآن الكريم. على الرغم من جمالية فننا، فإنه معانيه لم تعط مجالا للانفتاح في التفسير. وجل التعليقات المتاحة لم تكن تخرج عن إطار: أنا لا أحب اللون الأرجواني في تلك الآية. أو ربما كان على الكاتب أن يستخدم خطا أكبر.
سألت ابني حمد عن رأيه في لوحة الموناليزا. وأجابني أنه يحب ابتسامتها، ولكن ليس ألوانها. فقد قال أنها “داكنة جدا”. بعدها، سألته عن رأيه في لوحة خطية جميلة لآية قرآنية كانت تزين حائط بيتنا. تطلع إليها وسألني عما أقصده بسؤالي. وأجبته: “كنت لتوك تعبر عما تحب ولا تحب في لوحة الموناليزا، فلماذا لا تفعل نفس الشيء مع هذه اللوحة الفنية؟” تطلع إلي في ارتباك، قال: “إنها من القرآن، وبطبيعة الحال أنها جميلة.” وفعلا كانت اللوحة جميلة. ولكن هذا ليس موضوع حديثنا. ففي يوم من الأيام سوف يكتشف بنفسه وبقدراته الخاصة لماذا هي جميلة، كما أنه سيدرك أن اقتصار الفن والإبداع فقط على المخطوطات المقدسة هو ما يمنح مفاتيح القوة لمن لا يستحقها.
سواء كان الأمر صدفة أم لم يكن، فإن الإسلام قد وصل حاليا إلى وسط قرنه الخامس عشر، واليوم يسمح عصر التكنولوجيا الرقمية بدمقرطة الاتصالات، ويسمح أيضا بإسلام متجدد نسميه مجازا “إسلام 2.0″ حيث يؤخذ فيه بكل الآراء، بما فيها تلك التي تسأل عن معنى تلك العبارة أو الآية أو الحديث، ولا يعتمد فيه على طغيان التعليمات الفوقية، ويسمح بالمجهودات والأنشطة الإبداعية، ويسمح فيه بفرق موسيقية مثل فرقتي “جنون” و”آوتلانديش” الموسيقيتين، وبمشاريع مثل مشرع ال99 بالنماء والتطور، ويكون مستعدا لعصر نهضته الحقيقية. إن قوة الإنترنت هي ما سمح لل99 بإثارة الأطفال بقصص رائعة تتحدث عن المساواة والتسامح والعدالة والحياة في ظل القاعدة الذهبية القائلة بمعاملة الآخرين كما نحبهم أن يعاملونا. ولكن هذا لا يعني أن كل أولئك الذين يستخدمون هذا النظام الأكثر ديمقراطية هم ديمقراطيون. وكما جاء في صفحات القصص المصورة، فمعركة الخير على الشر مازالت مستمرة.
يدور مفهوم ال99 حول 99 بطلا من 99 بلدا مختلفا، يعملون معا لجعل العالم مكانا أفضل. كما أن اسم ال 99 مستوحى من صفات الله ال99 في القرآن، مثل الكرم والرحمة والتبصر وعشرات الصفات الأخرى التي لم تستخدم لعكس صورة الإسلام في وسائل الإعلام إلى أن جاء مفهوم ال99.
حصل أبطال ال99 على قواهم من حكمة كل الحضارات الإنسانية التي كانت ترقد بين جنبات طوابق مكتبة دار الحكمة ببغداد. وقد سمح الخليفة المأمون الذي أنشأ هذه المكتبة لعلمائه بترجمة أي كتاب يقع تحت أيديهم إلى العربية، وبالمقابل سيعطيهم وزنه ذهبا. وعندما اشتكى مستشاروه أن المترجمون كانوا يغشون بتكبير خط كتابتهم، لتحصيل مزيد من الذهب. أجابهم بعدم الاكتراث لذلك، لأن ما يقدمونه للثقافة الإسلامية يستحق أكثر مما يدفع لهم. وكون هذه الكتب تترجم إلى اللغة العربية، فهذا يعني أنها ليست بالضرورة كتبا إسلامية، وهي كانت مصدر قوى ال99 في القصص المصورة ورسومها المتحركة. عندما دمرت مكتبة دار الحكمة من قبل الجيش الغازي، وألقيت الكتب في نهر دجلة، تمكنت تركيبة كيميائية من إنقاذ معارف هذه الكتب وحفظها في 99 حجرا كريما. في الواقع، فإن واحدا من أكبر هواجس رغال، الذي هو الشخصية الشريرة الأساسية في ال 99 ، هو خوفه من إمكانية تحديث معارف أحجار النور. لو كانت محدودة فإنه يمكنه السيطرة عليها. ولكن إذا كانت قابلة للتحديث، فإنه يصعب التعامل معها.
كم منكم سبق له أن قرأ رواية “الحارس في حقل الجاودار- The Catcher in the Rye”؟ وكم منكم سبق له أن اقترف جريمة قتل باسم هذه الرواية. قبل 30 عاما، و على بعد 30 قسيمة من المكان الذي نجلس فيه هذه الليلة، قام “مارك ديفيد تشابمان” مع نسخة من الرواية بين يديه، بإطلاق النار على “جون لينون” وأرداه قتيلا. وخلال التحقيق معه، قال للشرطة أن الكتاب الذي معه هو الذي دفعه للقتل. وبعد عام من تلك الحادثة، حاول “هينكلي” أيضا اغتيال الرئيس “رونالد ريغان” وفي يده نسخة من رواية “الحارس في حقل الجاودار”. برأيكم من كان المسؤول في هاتين الجريمتين؟ هل هو الكتاب أم هذين المعتوهين المضطربين اللذين يُؤَوِّلان بطريقتهما الخاصة ماجاء فيه؟
وقد عدنا مع ال 99 الى المصدر الأول الذي أخذ منه الآخرون أفكارا طائفية بغيضة، وأخذنا بدلها أفكارا متسامحة وتحترم تعدد الثقافات. وعدنا أيضا إلى المصادر التي تقول طالبان أنها قادتهم إلى تدمير التمثالين، وأخدنا منها المادة الأولية لابتكار سلسة قصة مصورة تدعو للاحترام والانسجام والإبداع. وعدنا إلى نفس المصادر التي تقول منظمة القاعدة أنها قادتها لتدمير برجي مركز التجارة العالمي، واعتمادا على تلك المصادر أنشأنا متنزهات للمرح والترفيه وتثقيف الأطفال.
لذلك، في المرة القادمة عندما تسمعون متحدثا باسم تنظيم القاعدة يبرر أفعاله الشنيعة باقتباسات من القرآن الكريم، استحضروا في أذهانكم “مارك ديفيد تشابمان” واقفا خارج داكوتا يبرر جريمته باقتباسات من رواية “الحارس في حقل الجاودار”. وعندما تسمعون متحدثا باسم طالبان يشرح ما لا يشرح، استحضروا في أذهانكم “جون هينكلي” وهو يقترب من الموكب الرئاسي.
فالإسلام هو آخر شيء يفترض به أن يتبادر إلى أذهانكم.
وفي المرة القادمة عندما تسمعون عن ال 99، توقعوا قصصا مصورة لأبطال خارقين، يملؤها المرح والحركة، وتدعو للتسامح والاحترام. والأفضل من ذلك، اسمحوا لي أن أدعوكم لتكونوا من الأشخاص الأوائل في العالم الذي يرون مقطعا من المسلسل القادم لرسوم ال99 المتحركة والمشترك الإنتاج بين مجموعة تشكيل للإعلام وشركة إنديمول. هذا المقطع يظهر كل من العضو السعودي والإماراتي والأمريكي من ال99، مدفوعون من طرف رغال، الشخصية الشريرة الأساسية، الذي يتقمص دور شخص طيب. الصورة المجازية واضحة للغاية، فكما يستخدام الدين مثل أي شيء آخر بهدف الخير أو الشر، فإنه أيضا يتم التلاعب بال 99 لتنفيذ مخططات رغال، إلى أن يكتشفوا الحقيقة. مشاهدة المقطع
وهاهي الجميلة أميرة خان، والعضو الباكستاني في ال 99. أميرة فتاة باكستانية شابة، أصبح اسمها هو هادية بعدما أصبحت بطلة خارقة. تتمثل قدراتها الرئيسية في إرشاد مجموعة أبطال ال99 وإيجاد أي شيء يتم فقدانه. وهي بذلك، يمكنها خلق خرائط إرشادية حسب الحاجة. الليلة أريد من هادية أن ترشدكم أجمعين. فاللاجئون في وادي سوات بحاجة إلى مساعدتكم لإخراجهم من المحنة التي تواجههم. أريدكم أن تظهروا للعالم إلى أي مدى يمكن للإنترنت أن يكون ديموقراطيا. فإذا كنتم في الفيسبوك أو تويتر أو أي تطبيق أنترنت من نوع 2.0، يرجى منكم إخبار العالم بالأزمة في باكستان، ويمكنكم أن تقوموا بذلك الآن من أجهزة هواتفكم النقالة. يرجى منكم إخبارهم عن كيفية جمع التبرعات إن كانوا قادرين عليها، وإن لم يكونوا قادرين، فاطلبوا منهم أن يخبروا آخرين بالأزمة. فلا نطلب منكم إلا ما هو قدر استطاعتكم. الليلة هي الليلة 22 من رمضان. ورمضان هو مناسبة لتذكر المعوزين والمحتاجين لعطائنا. لكن العطاء ليس شرطا أن يكون ماديا. إذ يمكنكم أيضا أن تعطوا من وقتكم، فمهما كان ما تعطونه، فإنه سيصل إلى سكان باكستان. فهم بحاجة إليكم، وليس لهم من يتوجهون إليه سواكم.
الليلة أنتم أبطالهم، والليلة أنتم ال 99. واعلموا أن الأبطال بحاجة للقيام بأعمال بطولية، ليس فقط أفكارا بطولية. يجب عليكم أن تعبروا الليلة عن دعمكم للمهجرين من سكان باكستان بمساهمتكم لدى لجنة الأمم المتحدة العليا للاجئين . . يرجى منكم أن تكونوا كرماء قدر الإمكان، ودعونا أجمعين لنكون أبطالهم.
تم إلقاء هذا الخطاب يوم الثاني عشر من سبتمبر 2009 في مبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي احتضنت فرقا موسيقية فنية مثل “ستينغ” و”أوتلانديش” و”جنون” و”ديباك شوبرا”. وقد نظم الحفل الموسيقي من طرف سلمان أحمد، وعرضت مقاطع من سلسلة رسوم ال99 المتحركة خلال هذا الخطاب.