قبل بداية العام الجديد بقليل، تلقيت رسالة إلكترونية من تومسن رويترز تخبرني أن ال99، التي هي مبادرة من مجموعة تشكيل للإعلام، والتي سهرت على تأليفها بدقة وعناية فائقتين لتعكس القيم التي يتقاسمها المسلمون مع بقية الإنسانية، والتي تم تمويلها حسب مبادئ الشريعة الإسلامية، قد فازت بجائزة الاقتصاد الإسلامي الذائعة الصيت من فئة الإعلام. تمنح الجائزة للمبادرات التي تساهم أكثر في الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين. ما يجعل قيمة الجائزة مضاعفة، هو أنها تسلم شخصيا من طرف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ونائب الرئيس ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة. يعتبر الشيخ محمد نموذجا يحتذى به بالنسبة لكل القادة وأصحاب المبادرات على السواء. فازت ال99 بعدة جوائز وتقديرات، لكن الجائزة الحالية كانت استثنائية بكل المقاييس.
كنت مسرورا للغاية باستلامي لتلك الرسالة. وكنت مسرورا كذلك لحصول ال99 على الجائزة، لكن الأهم هو أني كنت أكثر سرورا لقدرة الإمارات العربية المتحدة على رؤية الصورة الكبيرة وتسليط الضوء عليها.
وبعد بضعة أيام، تلقيت رسالة أخرى من محامي الخاص، يخبرني فيها عن تطورات القضية المرفوعة ضدي في الكويت بتهمة الهرطقة والإساءة للدين من خلال ال99. هذه ال99 هي نفس ال99 التي أشاد بها علنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، وحتى صاحب السمو أمير الكويت نفسه على أنها داعمة للتسامح. إنها نفس ال99 التي أشاد المنتدى الإقتصادي العالمي والأمم المتحدة بسعيها الدؤوب للتقريب بين الثقافات وتسليط الضوء على القيم الإيجابية للإسلام. إنها نفس ال99 التي كتبت عنها الآلاف من المقالات الإيجابية وخصصت لها فصول في العديد من الكتب، وتناولتها العديد من المحاضرات والخطابات على أنها قوة إيجابية تظهر الجانب الإنساني للإسلام. وأخيرا إنها نفس ال99 التي استمتع بها ملايين الأطفال عبر العالم من الولايات المتحدة غربا إلى الصين شرقا.
كنت قلقا للغاية من تلك الرسالة. كنت قلقا على نفسي، لكني كنت أكثر قلقا على مستقبل المبادرات في بلدي الذي يوظف أكثر من 90% من مواطنيه، والذي يبحث بكل يأس عن طرق لخلق بيئة ملائمة لمبادرات ريادة أعمال، على ضوء انخفاض أسعار النفط. أعرف أن القضية المرفوعة ضدي لن تذهب بعيدا، خاصة وأن ال99 تتوفر على كل الوثائق الضرورية التي تجعل من وجودها قانونيا في البلدان التي وزعت فيها. فهي لم تحصل على تمويل من بنك إسلامي أخضعها لرقابة هيئة الشريعة الخاصة به فقط، بل إنها حصلت على موافقة وزارة الإعلام في كل من المملكة العربية السعودية والكويت ودول أخرى، لدرجة أن وزير الإعلام الكويتي أنذاك أشاد بها في جمع مليء بالدبلوماسيين والوزراء تحت الرعاية السامية لسمو أمير الكويت. قلقي الكبير هو أن مثل هذه القضايا قد تنتهي بترهيب الآخرين من مواصلة مسعاهم في تقديم مبادراتهم الريادية الغير مألوفة بنجاحها الباهر. شخصيا، أرفض أن يحصل هذا.
أيام قليلة بعد ذلك، اتصل بي أحد المستثمرين العالميين المهمين، وكنت قد تعرفت عليه خلال حفل عشاء أقامته منظمة الرؤساء الشباب بدبي، لنبدأ نقاشا حول ترخيص ألعاب ال99. وكان هذا الشخص الذي يملك عدة شركات تطوير ألعاب متحمسا للغاية ليوفر ال99 للمزيد من ملايين اللاعبين. كنت آمل بشدة استقبال تلك الرسالة. أملي كان من أجل مزيد من النجاح لل99، لكن أملي الأكبر كان لمنطقتنا بأكملها. قوة أملي كانت كبيرة من اهتمام مستثمر غربي في الحصول على ترخيص ملكية فكرية صادرة من الكويت، وتقديمها لجمهور أكبر عبر العالم. وهذا يعني الكثير لآمال المشاريع الريادية في المنطقة.
بعد ذلك بمدة قصيرة، استلمت رسالة أتوقع أن أكثركم استلم مثلها حول الاغتيالات الإرهابية المحزنة التي وقعت بمقر مجلة “شارلي إبدو” الفرنسية. لا شك أن محتوى المجلة مشين ومثير للكراهية. ولا شك أن ازدواجية المعايير موجودة في فرنسا، حيث تعرض واحد من موظفي المجلة سنة 2009 للطرد بتهمة معاداة السامية، في الوقت الذي يتم فيه التغاضي بجرة قلم عن معاداة الإسلام. ما من شك أيضا أن الفاشلين من مدمني المخدرات وساكني الأحياء الهامشية الذين “اهتدوا إلى الله” 5 دقائق قبل قتلهم للأبرياء باسم الرسول (ص)، قد ساهموا في ترويج أكثر للمجلة، ولفتوا انتباه الملايين إلى الرسومات المسيئة وجعلوا حياة المسلمين أكثر صعوبة في فرنسا. في الواقع، إن أفعال هؤلاء الإرهابيين قد ضمنت رغبة العالم أجمع بمطالعة الرسوم المسيئة. لذلك أتساءل، ماذا كان هدف هؤلاء بالضبط؟ إن كان إيقاف المجلة من الانتشار، فقد انقلبت الأمور عليهم. ما أٌقلقني غير هذه التراجيديا وتأثيراتها على علاقات شرق-غرب هو إلحاح البعض في وسائل الإعلام على ضرورة تقديم المسلمين لاعتذار عما تقوم به هذه العصابات الإجرامية الجهادية. يعني ذلك، أن على كل المسلمين تحمل مسؤولية هذه الأعمال.
أرفض أي اعتذار من هذا النوع عن حثالة من مدمني المخدرات الذي قرروا التحول لعصابات إجرامية باسم الرسول (ص). أرفض الاعتذار عن مجرمين حاولوا القيام بعمليات انتحارية عن طريق زرع قنابل في أحذيتهم أو ملابسهم الداخلية، مما جعل رائحتهم النتنة تطالنا بدون استثناء. أرفض تحمل أية مسؤولية عن المفجرين الانتحاريين والأئمة الجهلة الذين يتقيأون الكراهية من منابرهم. لن أقبل أن أحاكم كمسلم بناءا على أفعال مختلين جهلة حاملين لأفكار مغلوطة. لم ولن أتقبل أية مسؤولية عن أفعالهم، مثلما لم يتقبل أصدقائي المسيحيين أية مسؤولية عن أفعال أندري بريفيك، وديفيد كوريش، وتيموثي ماكفيي، وقساوسة تحرشوا جنسيا بأطفال وغيرهم من المجرمين. أقبل أن أحاكم فقط على أفعالي وما أقوم به شخصيا.
ويبدو أن الحكم لم يصدر حتى الآن، في الكويت على الأقل.